الأحد، يناير 03، 2010

مسك...« لاندّ»






مسك...« لاندّ»
الإثنين, 14 ديسيمبر 2009
جمال بنون *

ضيعت أمانة محافظة جدة فرصة ثمينة لنفسها لن تعوض ولن تتكرر، لو أنها أولت اهتماماً ببحيرة المسك أو بحيرة الصرف الصحي، على الأقل كانت قد كسبت بلايين الريالات، وأسهمت في تحسين خزينة الأمانة ورفعت من عائداتها المالية لتكون الأولى من بين أمانات المدن في زيادة الدخل.

أخطأ أمناء جدة السابقين أو حتى من اخترع موقع «بحيرة المسك» في شرق جدة، عندما تركوه وحيداً وسط البيوت الشعبية ومرمى النفايات، فأصاب الناس بالرعب ولفت انتباههم، وأصبح يقلقهم صباح مساء، لهذا ترتفع أصواتهم من حين إلى آخر يطالبون بإزالة البحيرة أو تغطية رائحتها، بعد أن أزكمت أنوفهم ونقلت إليهم مختلف أنواع المرض، وجعلتهم في هاجس وخوف منذ 20 عاماً خوفاً من المطر وخوفاً أن يفيض المسك بما فيه.

لو كنت مسؤولاً في الأمانة ومنذ السنة الأولى لإنشاء بحيرة المسك لحرصت على أن استغل اسمه، وطلبت من المستشارين وخبراء علم الاجتماع بحث استغلال المنطقة وانشغال الناس في مسائل أخرى غير بحيرة المسك، ولاستعنت بخبراء السياحة والبرامج الترفيهية، وعلماء الآثار، لخصصت مواقع الاحتفال بمهرجانات جدة في الصيف في مواقع قريبة من بحيرة المسك. كنت سأسكت ألسن الناس التي تطالب بتجفيف البحيرة أو إغلاقها، بإنشاء مدينة ترفيهية عالمية يرتادها الناس من كل مكان، ومراكز تسوق، كنت جعلت من منطقة بحيرة المسك منطقة منافسة لجبل علي في دبي، بمنح تراخيص مصانع ومناطق حرة، كنت جعلتها منافسة لكورنيش جدة وأبحر، وأعلنت عن إقامة منتجعات سياحية وفنادق عالمية وإقامة برج أعلى من برجي المملكة والفيصلية، ليكون علامة بارزة من معالم جدة، ولجعلت شرق جدة مدينة مختلفة عن جدة الحالية.

ألستم معي أن أمانة محافظة جدة تركت البحيرة لوحدها؟ وشغلت الناس بهاجس الخوف؟ وجعلتهم يضربون أخماساً في أسداس ولا ينامون الليل؟ فقد تنفجر عليهم البحيرة في أية لحظة ويذهبون ضحية مياه الصرف الصحي، حتى أن وفاتهم لا تبيض الوجه، ولا يستطيع ذووهم أن يخبروا أحداً عن كيفية أو طريقة وفاة أسرهم أو أبنائهم! هل يقولون لهم إن والدهم أو أمهم أو حتى ابنتهم ماتت في بحيرة الصرف الصحي؟ أو أنهم ماتوا اختناقاً برائحة الصرف الصحي؟ أو استنشقوا ماءه؟ الناس الذين ماتوا غرقاً أو جرفتهم السيول أطلق عليهم بعض الجهلاء أنه عذاب وابتلاء من الله، وما حدث في جدة ما هو إلا لعنة الله عليهم للفسق والفجور الذي وصل إليه أهل جدة! فماذا سيقول هؤلاء للذين سيلقون حتفهم أو مصيرهم نتيجة غرقهم في مياه الصرف الصحي؟ بالتأكيد سيقولون عنهم إنهم عذاب الله على الفاجرين الفاسقين، لهذا ابتلاهم الله ولقوا مصيرهم كما لقي فرعون وجنوده.

الآن وقد مضى 20 عاماً ولم تستغل أمانة محافظة جدة تلك المنطقة، وأقصد هنا شرق الخط السريع، وبالتحديد منطقة بحيرة المسك، أن تسارع في استثمار المنطقة والاستفادة منها، خصوصاً أن مياه الأمطار ساعدت على زيادة خوف الأهالي من أن يفيض المسك عليهم، كما أن الإشاعات التي تنطلق من حين إلى آخر غير مطمئنة بقرب انفجار البحيرة. أقترح على الأمانة أن تشرع في إقامة مدينة ترفيهية تحت اسم «مسك لاند»، وتقيم منطقة حرة معفاة من الجمارك، ويمكن أن نقيم مطاراً إقليمياً للرحلات السياحية ومنطقة مصانع ومتحفاً يضم صوراً مختلفة لأنواع البحيرات في العالم، طبعاً على رأسها بحيرة المسك، ونقيم مركزاً مفتوحاً للبحوث البيئية، خصوصاً في معالجة النفايات والصرف الصحي، ومدن ترفيهية للأطفال وأماكن لممارسة المشي للعائلات، وقناة فضائية تبث على مدار الساعة أخبار البحيرة في بث مباشر. بهذه الطريقة قد ينشغل الناس عن البحيرة وينسون أنهم في خطر، حينما يرون أن هناك من يزورهم ويأتي لمشاهدتهم، عندما يشاهدون بحيرة المسك مختلفة تماماً عما يعرفون في الواقع، سيرونه مغلفاً ومنمقاً عليه من الديباجة الكثير.

أمانة محافظة جدة لن تفعل شيئاً مثل هذا، ولن تستثمر المنطقة، ولن تقيم أي مشاريع، ولن ترخص لأي منطقة تجارية أو مراكز، أو حتى إقامة متاحف أو فنادق، هي أقامت هذه البحيرة وسط هؤلاء الناس الضعفاء وهي تعلم أن لا حول لهم ولا قوة، أن يفتحوا أفواههم ليعترضوا على موقع البحيرة أو حتى معارضتهم لتسميتها، حينما قرر المسؤول إقامة مجمع لمياه الصرف الصحي كان يظن أن الناس لدينا أفواههم مغلقة، وليست لديهم القدرة على الوصول إلى المسؤول الأول ليستمع إلى شكواهم، ولم يتفوه أي مسؤول من الوزارات الأخرى، الصحة، التعليم، الزراعة، الدفاع المدني الهلال الأحمر وغيرها من الجهات.

الذين أقاموا بحيرة المسك كان كل شيء بالنسبة لهم مستحيلاً، مستحيل أن تعيد تخطيط المنطقة، مستحيل أن تبني بحيرة للصرف الصحي بمواصفات عالمية يمكن الاستفادة منها في توليد الطاقة الكهربائية، كما هو معمول في الصين، أو تحويل مكوناته إلى سماد زراعي، وكان مستحيلاً أن نستقدم خبراء مختصين لمعالجة المشكلة، 20 عاماً كانت كافية لأن نخطط ونعالج للمشكلة وليس أن نتركها كما هي عالقة. كان مستحيلاً أن نوفر أراضي ومساكن لأصحاب تلك المناطق الذين أجبرتهم الظروف على السكن، ودفعوا كل ما يملكونه من مال من أجل أن يخفوا رؤوسهم داخل منزل صغير، وكان مستحيلاً أن نبني أحلام المواطنين ونجعلها حقيقة. الشيء المهم في الموضوع هو: كم كسبت الأمانة من تلك المخططات؟ وكم أدخلت في خزينتها؟ على الأمانة أن تعيد تلك الأموال لأصحابها، سواء كانت تراخيص بناء أو ترميماً أو تراخيص محال تجارية أو رسوم مخالفات على الأنشطة التجارية، وعلى الوزارات الأخرى أيضاً يجب أن تعيد الرسوم التي دفعها الناس في تلك المخططات، من رسوم استخراج سجل تجاري أو تأشيرات الحقيقة لا يجوز تحصيلها، ما دامت أصلاً مناطق غير صالحة لسكن الناس أو ممارسة العمل التجاري.

قبل عامين أخلت أمانة محافظة جدة حظائر الأغنام في شرق جدة القريبة من الناس، بزعم أنها مضرة بصحة البيئة، ونقلتها إلى أقصى جنوب جدة، إذ يصعب الوصول إليها في النهار فكيف الحال بالليل، نقلت المواشي حفاظاً على صحة البيئة، وتركت الناس بجوار البحيرة منذ 20 عاماً، أليس هؤلاء بشراً يستحقون الاحترام.

بماذا يفكر المسؤولون الآن بالنسبة لبحيرة المسك؟ لا أحد يعرف... هل سيبقى الأمر هكذا؟ أم أنها ستطور أو يعاد بناؤها أو تهدم؟ ما مستقبلها بالتحديد؟ لا أحد يعلم ولا أحد يتكلم، كل ما نسمع عنه هي إفادات واحدة من الدفاع المدني بالتحذير، وأخرى من مسؤولي الأمانة بالتطمين، وضِعنا نحن في التصريحات المتضاربة... أقترح عليكم أن تعينوا متحدثاً رسمياً لبحيرة المسك.

* إعلامي وكاتب اقتصادي.






Windows 7: It helps you do more. Explore Windows 7.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق